يا أبيض يا اسود
يا أبيض يا اسود!
"- يبقى انت أكيد الإرهابي اللي بيدوروا عليه؟
- أيوه أنا .. أنا اللي بيسموه ارهابي عشان متمسك بدينه.. أنا إرهابي فعلاً .. بأرهب أعداء الله..
- وإحنا بقى أعداء الله ؟!
- أنا مقصدكوش انتوا بالذات .. انتوا ناس طيبين بس ناسيين دينكم!
- وانت تعرف إيه عن الدين؟ مين عيّنك مسئول عن هداية البشر ومحاسبتهم؟
- أنا هدفي اصلاح المجتمع وتطهيره.
- بانك تهده من أساسه... بانك تدور في الشوارع تقتل الستات والأطفال.. هو دا اصلاح المجتمع عندك؟
- إنتوا بتحاسبوني على إيماني؟!
- يابني الدين يُسر.. نور ورحمه. والناس هتفضل تغلط من دلوقتي ليوم القيامه .. لأننا بشر مش ملايكه.. روح وادعي ان ربنا يسامحك على كل اللي عملته.."
من فيلم الارهابي
للكاتب لينين الرملي
الـ Spliting أو ظاهرة التفكير الانفصامي.. وده بيحصل في العقول الأقل نضوجاً كوسيلة دفاع أو العقول اللي فيها مشاكل في الادراك والتفكير.. لما الانسان بيواجه نوع من أنواع الارتياب وعدم اليقين والتخبط بين بضع الأراء أو الاختيارات. بيقول دكتور الأعصاب روبرت بورتون Robert Burton اني الحيره بتبقى صعبه جداً على المخ انه يستحملها، فالمخ بيسعى للتخلص من هذه الحيره، بانه ينحاز لقرار أو اتجاه بعينه لكي ما يضع حداً لهذه الحيره. اللي احنا بنسميه الـ all-or-nothing thinking. اللي هو ياأبيض يا اسود عشان العقل ميتوهش وميتشتتش.. أصل مفيش الـ flexibility أو الليونه الكافيه في التفكير، فعلطول بيلجأ العقل ساعتها انه يأخذ موقف بشكل سريع وحازم عشان يكمل من غير ما يوقع أو يتوه. يايبقى كله على مزاجك، يايبقى غلط وميستحقش الاحترام.
والـ Splitting ده موجود في كل حاجه في حياتنا، كتير مش بنعرف نفصل أو نفرق بين أراءنا في الناس وبين حكمنا أو تعاملنا معهم. وده طبعاً لأني الحيره صعبه "لأَنَّ الْمُرْتَابَ يُشْبِهُ مَوْجًا مِنَ الْبَحْرِ تَخْبِطُهُ الرِّيحُ وَتَدْفَعُهُ." (يع 1: 6). والأهم لأننا متربيناش على حاجه اسمها تقبّل أو حتى ليونه في الفكر.. يا إما حبيبي وشبهي ومفيش مشاكل.. يامختلف ومش شبهي وفيه عداء أو كراهيه حتى لو دفينه أو بحاول أخبيها عشان أبقى طبيعي!! (وفي الغالب برضه هتظهر في نوع من أنواع الـPassive agression أو العدوان السلبي)..
فالـ Splitting ده مسئول عن نسبه كبيره في فشلنا وغشوميتنا الاجتماعيه. وطبعاً في نفطة عرض الاختلاف الأيدولوجي أو الاتجاه السياسي، أو المذهب الديني، احنا مش بس مفيش ليونه. لا، ده الدنيا طوب وأسمنت على الأخر !!...
الغريب والمدهش اني اللي بيعاني من الـ Splitting وبيلجأ للـ all-or-non-thinking (أو التطرف) دايماً في أراؤه. لو في وقت غيّر قناعته أو اتجاهه أو مذهبه لسبب ما، هتلاقيه برضه بياخد الطرف المتطرف المضاد تماماً.. يعني بيروح من النقيض للنقيض الأخر. وممكن يهاجم وبشده الأفكار اللي كان بيستميت في الترويج ليها قبل كده. لأنه مدفوع بعاطفة الكراهيه اللي بيقودها الـ Splitting
الدكتور النفسي المشهور والكاتب جوزيف بورجو بيقول في كتابه "Why Do I Do That" في شرحه عن الـ Splitting، ومشاعر الكراهيه المصاحبه لهذا النوع من التفكير، ان الانسان المتخبط في أفكاره ومشاعره، قد يلجأ دون وعي للـ Splitting لكي ما ينهي تلك الحيره وذلك الصراع المحتدم في عقله. وبيطرح سؤال عما إذا دخلت في مناقشه محتدمه، وجدال عالي الوطيس، وشعرت وقتئذ انك لا ترغب في التحدث البته مع ذلك الشخص ثانية. وتريد أن تقطع علاقتك به تماماً (بلغة السوشيال ميديا .. تعمله block من حياتك). انك متيقن تماماً من صحة مشاعرك، لتكتشف في اليوم التالي انك ربما تكون غيرت رأيك؟ للأسف الشديد، ان مشاعر الكراهيه التي تولد مع الـ ٍSplitting قد تكون من القوه والعنف، أن تهدم علاقات أخويه، وروابط أسريه، لعلة الخلاف!
اللي انا عايز أقوله، لما تلاقي اللي قدامك بيفتح المناقشه، وله رأي متطرف، مش بيتكلم عشان يسمعك، والدنيا عنده طوب وأسمنت، ومناقشته منقاده بمشاعر كراهيه صريحه، أو دفينه (زي السخريه، أو التسفيه من معتقداتك، أو عدم احترام معتقداتك). فكلامك معاه مش هيؤدي لنتيجه أوي.
المراجع
- Robert Burton. On being Certain: Believing You Are Right Even When You're Not (New York: St Martin 2008)
- Joseph Burgo. Why Do I Do That: Splitting. 2012
- من وحي مقال "صراع الآخر: أبيض وأسود" للدكتور / كيرلس بهجت
Comments