ما بين سوما وساركس
ما بين كلمتي "سوما σῶμά"و"ساركس σάρξ"
الشبهه: هناك كلمتان يترجما |جسد| في اللغة العربية، ولكنهما لهما إستخدامين مختلفين
في كلمة الله.
الكلمةالأولي هي كلمة |ساركس| وإن كتبت بحروف إنجليزية تكون |SARX| وهي تستخدم في الكتاب المقدس للإشارة للإنسان بوجه عام، أو للطبيعة البشرية،
أو للطبيعة العتيقة، وتترجم في الإنجليزية |FLESH| لذا فلما قال يوحنا “الكلمة صار جسداً” (يو1: 14) إستخدم كلمة |ساركس| لأنه يريد أن يقول أن المسيح كلمة الله صار إنساناً
كاملاً أي إتخذ طبيعة بشرية. فالمسيح لم يكن فقط لاهوت متحد بجسد إنسان لكنه كان الله
في ملء لاهوته وإنسان كامل في نفس الوقت.
الكلمة اليونانية الثانية هي كلمة |سوما| وإن كتبت بحروف إنجليزيه تكون |SOMA| وهي تستخدم في الكتاب للدلالة علي الجسم الإنساني، وتترجم في الإنجليزية |BODY| وقد تستخدم للإشارة للإنسان كله كنوع من ذكر البعض دلالة علي الكل أحيانا، لكنها تعني الجسم البشري فقط. وعندما قال الرسول “فإنه لم بيغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه” (أفس5: 29) إستخدم كلمة |سوما|
.
ولروعة الوحي الكتابي بالروح القدس، إستخدم يوحنا في يوحنا 6 كلمة |ساركس| التي تتكلم عن الطبيعة البشرية ولم يستخدم كلمة |سوما| التي تشير للجسم البشري. والعجب العجاب أن باقي الأناجيل الثلاثة لما تكلمت عن عشاء الرب إستخدمت كلمة |سوما| التي تشير للجسم البشري ولم تستعمل كلمة |ساركس|.
ما أريد أن أقوله هنا هو أن الروح القدس
ينادي بأعلي صوته ويقول أن ما أتكلم عنه في يوحنا 6 ليس علي الإطلاق ما أتكلم عنه في
أحداث العشاء في باقي الأناجيل. وهذا هو مفتاح يوحنا 6. فالروح القدس قد إستخدم كلمة
للدلالة علي الطبيعة البشرية الإنسانية أو الناسوت بوجه عام في يوحنا 6 وإستخدم كلمة
تشير للجسم البشري فقط في باقي الأناجيل وهو يتحدث عن عشاء الرب. أي أن الروح القدس
يؤكد أن موضوع يوحنا 6 لاعلاقة له بموضوع عشاء الرب.
أخشى أن المعترض قد وقع في فخ مغالطة الرجل القش عند طرحه للسؤال. ففي حقيقة الأمر، أخطأ الكاتب في ترجمته لمعنى كلمتي ساركس وسوما.
وكيفية استخدامهما في الكتاب المقدس بشكل عام، والعهد الجديد بشكل خاص. ومما يدل
على سطحية معرفة المعترض، وعدم اقتفاء الأمانه في البحث قوله أن بولس الرسول في
أف 5: 29 قد استخدم لفظة (سوما) في الأيه "فإنه لم بيغض أحد جسده قط بل يقوته ويربيه". وهذا خطأ. فالنص اليوناني:
οὐδεὶς γάρ ποτε τὴν ἑαυτοῦ σάρκα ἐμίσησεν, ἀλλὰ ἐκτρέφει καὶ θάλπει αὐτήν, καθὼς καὶ ὁ
Χριστὸς τὴν ἐκκλησίαν
فالكلمه المستخدمه هي (ساركس) وليس (سوما). مما يدل على جهل المعترض بالفارق بين المعنيين.
واقتداءا بمبدأ "امح الذنب بالتعليم"، فسأحاول في هذا المقال أن أوضح أوجه الشبه والفارق بين الكلمتين.
لقد استخدم العهد الجديد كلمة (سوما σῶμά) وكلمة (ساركس σάρξ) بعدة معانٍ. ومن خلال الدراسة المدققة نجد أن الكلمتين لهما نفس الإستخدام أحياناً وأيضًا نجد اختلافاً فى بعض الإستخدامات فى أحيان أخرى، فسوف نعرض تباعًا ونشرح كل الحالات التي تم استخدام كلمة (سوما σῶμά) أو (ساركس σάρξ) في العهد الجديد.
نبدأ بشرح معنى الكلمتين بحسب قاموس Dictionary Strong
كلمة سوما σῶμά تعني الأتي: جسد body، لحم flesh، جسد الكنيسه the body of the Church
أما كلمة ساركس σάρξ
فتعني الأتي: جسد body، لحم flesh، طبيعه بشريه human nature، ماديه materiality، علاقه الدم kindred
فكلا الكلمتين
يتشاركان في بعض المعان (الجسد واللحم)، ولكن تنفرد كلمة (سوما σῶμά)
في التعبير عن جسد الكنيسه
(أو جسد المسيح الواحد). بينما كلمة (ساركس
σάρξ) تحمل نفس معاني كلمة
سوما بصوره أشمل. بل وتتميز في التعبير عن الماديه وعلاقة الدم. وأيضاً الاشاره للجنس البشري
في مقال سابق شرحنا جميع معاني كلمة (سوما σῶμά) مع عرض لأمثله للايات المختلفه (اضغظ هنا للذهاب لمقال "سوما"). وبالمثل، قمت بشرح جميع معاني كلمة (ساركس σάρξ) مع عرض لأمثله للايات المختلفه (اضغظ هنا للذهاب لمقال "ساركس")
وبعد أن
درسنا كافة المعاني المستخدمه لكلمة ساركس وسوما. نعود إلى يو 6، وسيتضح لنا مع
قراءة النص كيف أن كلمة "ساركس" جاءت بنفس معنى "سوما" في هذا
النص للاشاره إلى جسد المسيح.
في (يوحنا 6 : 51، 52، 53، 54، 55، 56، 63)
أثناء حديث السيد المسيح مع اليهود الغير مؤمنين به تم استخدام كلمة "ساركس σάρξ"
فيها لهذا القصد، حيث كلمة "ساركس σάρξ" هنا جاءت بمعنى "لحم،
طبيعة بشرية " فالسيد المسيح أراد أن يوضح لليهود الغير مؤمنين به أنه يتكلم
فعلياً وليس بطريقة رمزية حينما قال لهم:
النص
اليوناني لآية (يو6 : 51):
ἐγώ εἰμι
ὁ ἄρτος ὁ
ζῶν ὁ ἐκ
τοῦ οὐρανοῦ
καταβάς· ἐάν τις φάγῃ ἐκ τούτου τοῦ
ἄρτου ζήσεται εἰς τὸν
αἰῶνα καὶ ὁ
ἄρτος δὲ ὃν
ἐγὼ δώσω ἡ σάρξ μού ἐστιν ἣν
ἐγώ δώσω, ὑπὲρ
τῆς τοῦ κόσμου ζωῆς
" أنَا هُوَ الْخُبْزة الْحَيةّ التي نزَلتَ مِنَ السَّمَاءِ. إِنْ أكَلَ أحَدٌ مِنْ هذهَ الْخُبْزة يحَيَا إلِى الأبَدِ. وَالْخُبْزة التي أنَا أعْطِي هُى جَسَدِي (لحمي) الذِّي أبْذِلهُ مِنْ أجْلِ حَيَاةِ الْعَالَمِ »"
وهذا ما دفع اليهود لأن يتخَاصَمَوا قَائلِينَ:
النص
اليوناني لآية (يو 6 : 52):
Ἐμάχοντο
οὖν πρὸς ἀλλήλους
οἱ Ἰουδαῖοι
λέγοντες Πῶς δύναται οὗτος ἡμῖν
δοῦναι τὴν σάρκα φαγεῖν
"«كَيْفَ يقَدِرُ هذاَ أنْ يعْطِيَناَ
جَسَدهَ ُ (لحمه) لِنَأكُلَ؟»"
ولكن
السيد المسيح لم يتنازل عن حديثه وإصراره عليه مؤكداً:
النص
اليوناني للآيات (يو6 : 53 -56):
εἶπεν οὖν αὐτοῖς ὁ Ἰησοῦς Ἀμὴν ἀμὴν λέγω ὑμῖν ἐὰν μὴ φάγητε τὴν σάρκα τοῦ υἱοῦ τοῦ ἀνθρώπου καὶ πίητε αὐτοῦ τὸ αἷμα οὐκ ἔχετε ζωὴν ἐν ἑαυτοῖς ὁ τρώγων μου τὴν σάρκα καὶ πίνων μου τὸ αἷμα ἔχει ζωὴν αἰώνιον καὶ ἐγὼ ἀναστήσω αὐτὸν τῇ ἐσχάτῃ ἡμέρᾳ
ἡ γὰρ σάρξ μου ἀληθῶς ἐστιν βρῶσις καὶ τὸ αἷμά μου ἀληθῶς ἐστιν πόσις ὁ τρώγων μου τὴν σάρκα καὶ πίνων μου τὸ αἷμα ἐν ἐμοὶ μένει κἀγὼ ἐν αὐτῷ
"«الْحَقَّ
الْحَقَّ أقَوُلُ لكُمْ: إِنْ لَمْ تأَكُلوُا جَسَد َ (لحم) ابْنِ الإِنْسَانِ
وَتشَرَبوُا دمَهُ، فلَيْسَ لكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. مَنْ يَأكُلُ جَسَدِي (لحمي)
وَيشَرَبُ دمِي فلَهُ حَيَاةٌ أبَدِيةَّ، وَأنَا أقِيمُهُ فِي الْيوْمِ الأخِيرِ،
لأنَّ جَسَدِي (لحمي) مَأكَلٌ حَقٌ وَدمِي مَشْرَبٌ حَقٌ.مَنْ يَأكُلْ جَسَدِي (لحمي)
وَيشَرَبْ دمِي يَثبْتُ فِيَّ وَأنَا فِيهِ"
فحينما
رأى السيد المسيح عدم إيمانهم وإصرارهم على ذلك، لم يتراجع عن الحديث بل أكملَ
حديثه مؤكداً على ما رفضوه وتخاصموا بسببه أن الذى لا يأكل جَسَد (لحمي) ابْنِ
الإِنْسَانِ وأضاف أيضًا "وَيشْرَب دمَهُ" ليس له حياة، فالذى
"يَأكُلُ جَسَدِي وَيشَرَبُ دمِي فلَهُ حَيَاةٌ أبَدِيةَّ، وَأنَاَ أقِيمُهُ
فِي الْيَوْمِ الأخِيرِ".
والحديث
هنا قوى وواضح بل أعطاه قوة فى التصديق بقوله :"لأنَّ جَسَدِي مَأكَلٌ حَقٌ
وَدمِي مَشْرَبٌ حَقٌ.مَنْ يَأكُلْ جَسَدِي وَيشَرَبْ دمِي يثَبْتُ فِيَّ وَأنَاَ
فِيهِ" وهنا قطعَ عليهم كل شكٍ فى أن الجسد الذى سوف يعطيه لمَنْ يأكل وأيضًا
دمه لمَنْ يشرب هو جسد حقيقى ودم حقيقى.
وهنا نرى رد فعل الكثير من تلاميذ يسوع حينما
سمعوا قالوا: "«إنِّ هذاَ الْكَلامَ صَعْبٌ! مَنْ يَقْدِرُ أنْ يسَمَعهَ؟ُ» (يو
6 : 60) ولكن السيد المسيح عَلِمَ فِي نَفْسِهِ
أنَّ تلَامِيذهَ يتَذَمَّرُونَ عَلَى هذاَ، فَقَالَ لهُمْ: «أهَذاَ يعْثرِكُمْ
؟" (يو 6 : 61) وأخيرًا نجد أن "مِنْ هذاَ الْوَقْتِ
رَجَعَ كَثيِرُونَ مِنْ تلَامِيذِهِ إلِى الْوَرَاءِ، وَلَمْ يعَوُدوُا يمَشُونَ
مَعهَ" (يو 6 : 66) فهؤلاء التلاميذ فهموا كلامه بدقة، فهموا
أنه تكلم عن اعطاءه لجسده (للحمهِ) ولذلك قرروا أن يتركوه.
"فَقَالَ
يسَوعُ لِلاثنَيْ عَشَرَ: «ألَعَلَكُّمْ أنْتمْ أيْضًا ترِيدوُنَ أنْ
تمْضُوا؟»" (يو 6 : 67) فالسيد المسيح كان يقصد ما قاله بالفعل بأن
الخبزة هى جسده بالفعل، وأوضح ذلك للجميع باستخدام كلمة "ساركس σάρξ" التى أعطت معنى اللحم والطبيعة البشرية ولذلك فهمه الكثير
من تلاميذه الغير مؤمنين وتركوه.
وهنا
الحديث واضح بتأكيدات وحقائق فلا يوجد إجتهادات لجعل الأمر عبارة عن رمز لأن السيد
المسيح قال :"لأنَّ جَسَدِي مَأكَلٌ حَقٌ وَدمِي مَشْرَبٌ حَقٌ.مَنْ يَأكُلْ
جَسَدِي وَيشَرَبْ دمِي يثَبْتُ فِيَّ وَأنَاَ فِيهِ " فهو هنا يؤكد على أن
الجسد مأكل (حقيقى) والدم مَشْرَب (حقيقى) ولا يمكن أبداً أن يكون للرمز أى وجود
فى وجود الحقيقة المُعلنة...
وإن كان
المعترض قد اختلط عليه الأمر بسبب تعدد معان كلمة "ساركس σάρξ". فماذا عن بقية الكلمات في الأيه والتي
تؤكد المعنى الافخاريستي الذي اعلنه الرب يسوع وقتئذ:
ὁ τρώγων μου
τὴν σάρκα καὶ πίνων
μου τὸ αἷμα ἔχει ζωὴν
αἰώνιον,
"مَنْ يَأكُلُ جَسَدِي (لحمي) وَيشَرَبُ دمِي فلَهُ حَيَاةٌ أبَدِيةَّ"
τρώγων:
1)
to gnaw يقضم, crunch يمضغ- يطحن بأسنانه , chew raw vegetables or fruits (as nuts,
almonds) يمضغ خضروات نيئه أو فواكه
1a) of animals feeding
1b) of men
2)
to eat يأكل
αἷμα:
1)
blood دم
1a)
of man or animals
1b)
refers to the seat of life
1c)
of those things that resemble blood, grape juice
2)
bloodshed, to be shed by violence, slay, murderسفك دم
بالعنف أو بالذبح أو بالقتل
يعوزني الوقت لأتحدث عن "رموز الافخارستيا في العهد القديم"، وعن " قد قلت لكم الأن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون"، "وعن بدعة الغنوسيه التي كان يحاربها القديس يوحنا الحبيب في كتاباته"، ولكن آثرت أن أخصص هذا المقال فقط لشرح اوجه الشبه والاختلاف بين معان الكلمتين "سوما" و"ساركس"
المراجع
- ما هو الفرق بين الكلمة اليونانية (سوما σῶμά)
والكلمة اليونانية (ساركس σάρξ))؟ - الباحث \ مينا سليمان
يوسف
- الانسان في تعاليم العهد الجديد – د. موريس تاوضروس
- [1] Theological Dictionary of the New Testament, Edited by Friedrich (G.), Translated by Bromiley (G.W.), Vol. VII. 1971.
* ملحوظه ترجمة كل الآيات الموجودة فى هذا الجزء من الأصل اليوناني بطريقة أدق
Comments